الاستاذ عبدالرحمن السويداء
قال الحرماني وخالد بن جمل : كانت امرأة من موالي بني زهرة يقال لها (بريكة) من أظراف النساء وأكرمهن ، وكان لها زوج من قريش له دار ضيافة ، فلما طالت على قيس بن قال له أبوه : إني لأعلم أن شفاك الله في القرب فارحل إلى المدينة ، فرحل إليها حتى أتى دار الضيافة التي لزوج بريكة ، فوثب غلمانه إلى رحل قيس ليحطوه فقال : لا تفعلوا فلست نازلاً أو أتى بريكة فإني قصدتها في حاجة ، فإن وجدت لها عندها موضعاً نزلت بكم وإلا رحلت ، فأتوها فأخبروها ، فخرجت إليه فسلمت عليه ورحبت به وقالت : حاجتك مقضية كائنة ما كانت ، فانزل ، فنزل ودنا منها قفال : أذكر حاجتي ؟ قالت : إن شئت ، قال : أنا قيس بن ذريح ، قالت حياك الله وقربك ! إن ذكر الجديد في كل وقت ، قال : وحاجتي أن أرى لبني نظرة واحدة كيف شئت ، قالت : ذلك لك علي ، فنزل بهم وأقام عندها ، وأخفت أمره ، ثم أهدى لها هدايا كثيرة ، وقال : لا طفيها وزوجها حتى يأنس بك ، ففعلت وزارتها مراراً ثم قالت لزوجها : أخبرني عنك ، أنت خير من زوجي ؟ قال : لا ، قالت فلبني خير مني ؟ قال : لا ، قالت : فما بالي أزورها ولا تزورني ؟ قال : ذلك إليها ، فأتتها وسألتها الزيارة ، وأعلمتها أن قيساً عندها ، فتسارعت إلى ذلك وأتتها ، فلما رآها ورأته بكيا حتى كادا يتلفان ، ثم جعلت تسأله عن خبره وعلته فيخبرها ، ويسألها فتخبره ، ثم قالت : ما قلت في علتك فأنشدها قوله :
أعالج نفسي من بقايا حشاشة = على رمق والعائدات تعود
فإن ذكرت لبني هششت لذكرها = كما هش للثدي الدرور وليد
أجيب بلبني من دعاني تجلداً = وبي زفرات تنجلي وتعود
يعيد إلى روحي الحياة وإنني = بنفسي لوعاً ينتني لأجود
ألا ليت أياماً مضين تعود = فإن عدن يوماً إني لسعيد
سقى دار لبني حيث حلت وخيمت = من الأرض منهل الغمام رعود
على كل حال إن دنت أو تباعدت = فإن تدن منافاً لدنو مزيد
فلا اليأس يسليني ولا القرب نافعي = ولبني منوع ما تكاد تجود
كأني من لبني سليم مسهد = يظل على أيدي الرجال يميد
رمتني لبين سليم بسهمها = وسهم لبينى للفؤاد صيود
سلى كل ذي شجو عملت مكانه = وقلبي للبنى ما حييت ودود
وقائلة قد مات أو هو ميت = وللنفس مني أن تفيض رصيد